Tuesday, December 13, 2011

المجد للكليشيه


من السهل ادعاء الكآبة في عيد ميلادك، فتشير إلى إحباطات سابقة، وركود حاضر، لا يؤدي إلا لليأس الكامل من التغيير، فالبلد (رايحة في داهية)، ومواطنيها (قدامهم مليون سنة ويبقوا حمير)، من السهل أن تستجدي عطف الآخرين بشكل واعي أو غير واعي، فتتحدث عن مرور عام من رصيد أعوامك عند الله، وعن اقتراب الموت خطوة واحدة إضافية، وتستغرب سوء الحظ الغريب الذي يجعل عيد ميلادك أسوأ أيام العام، أحيانا بالوحدة، وأحيانا بالغضب، وأحيانا بمشاكل البيت أو العمل.

كل هذا الإدعاء لا يغير حقيقة مرور عام كامل، 365 يوما، تزداد يوما في السنين الكبيسة.

أنت الآن في الرابعة والعشرين، شعرك تراجع خطوة بسيطة للخلف، وكرشك عوض ذلك بخطوة للأمام، مكتبتك تضاعفت بكتب تتساءل أحيانا عن الوقت اللازم لقراءتها (مع ملاحظة استمرار الشراء بمعدل يزيد على القراءة)، وعن جدوى القراءة نفسها، وعن مدى اقترابك من حيازة آراء جاهزة في كل نقاش، تتساءل عن موقفك النهائي من الله، وعبد الناصر، والسادات، والإخوان، والثورة، عن جدوى الكتابة  والزواج، عن ضرورة العمل والنقود والسفر للخليج أو للغرب، عن شكلك مع الصلع الكامل والكرش الكامل، عن الفيلم الجديد لأحمد حلمي، والفيلم المنتظَر لكريستوفر نولان، عن عدد سندوتشات الكبدة بالبصل التي ستساهم في الكرش الناهض، وسندوتشات الفول (بالبصل كذلك)، وعن عدد حلل المحشي التي ستستهلكها مع كل عودة للبيت في أجازة.

أنت الآن في الرابعة والعشرين إلا قليلا، وادعاء الكآبة (موضة) في هذا القليل المتبقي.

سيساهم ذلك في المزيد من التهنئات في عيد ميلادك، وربما يؤدي للمزيد من الهدايا، وإذا افترضنا العكس، فغابت التهنئات والهدايا، فمن السهل شحن اليوم بعدمية تهيئ الطريق لفيلم (من إياهم)، أو سيجارة (من إياهم)، أو كأس (من إياهم)، وسيساعدك التدريب السابق على العدمية، فستتفادى هذه المرة أن تغرق في كآبة حقيقية هذه المرة، بالتأكيد سيساعدك التدريب، فأنت قديم في هذه الكآبة (الحقيقية والمدعاة).

أنت الآن في الثالثة والعشرين و16 يوماً.

باقي من الزمن 12 يوم على عيد ميلادك الحقيقي، ويوم إضافي هو تاريخ شهادة الميلاد، 24 ساعة تفصل بين وجودك المادي، والاعتراف به على الورق، وقد وجدت الأسهل مجاراة الأوراق الرسمية المعلنة، ونجحت بعد فترة من التدريب أن تتجنب تكرار التوضيح مع كل سؤال عن عيد ميلادك: (أصلي اتولدت 25 ديسمبر واتسجلت 26)، وسأجاملك قليلا فلن أعتبر هذه التدوينة فشلاً لتدريب 11 شهراً 17  يوماً.

يوم ميلادك في البطاقة 26 ديسمبر.

وفي السادس والعشرين من ديسمبر اكتشفت ماري كوري وزوجها مادة الراديوم المشع، وتم حل الاتحاد السوفييتي، وولد فيه عاطف الطيب، ومات فيه فريد الأطرش، وصدرت شهادة ميلادك.

(المجد للكليشيه)

ولمن تاه في كل هذا (اللك) فما التدوينة ما هي إلا مجاراة للموضة، استسلامك للكآبة أو ادعاءك إياها، والحديث عن الكرش والصلع، وعن الأيام المتبقية، كلها كليشيهات تعترف بكراهيتها على سبيل الكليشيه ، والعادي في هذه المواقف انتصار الكليشيه لا العكس، فكراهية الكليشيه ما هي إلا كليشيه آخر.