Thursday, September 8, 2011

كتب جميلة وابتسامات طيبة


أحب الكتب الجميلة، وأعرف أنها تحبني، فما يصلني من فرحة بها، لا تأتي أبداً من علاقة حب من طرف واحد.

ليس بالضرورة أن يكون الكتاب أجمل الكتب كي يكون أحبها إلى قلبي، هناك من الكتب ما يذكر بلحظة ما، بإحساس عابر، بوجه أحبه، فأحب الكتاب بكل ما يذكرني به بصرف النظر عن قيمته للعالم أو التاريخ، فأحب كتابا لأنه أول الكتب بعد غياب عن القراءة، أو لابتسامة مؤلفه في وجهي، أو لتوقيع صاحبته، أو لأنه كان _ببساطة_ موجودا معي في لحظة معينة.

ولكل ذلك قد تحتوي مكتبتي على نسختين من كتاب واحد، لأن الكتاب عندي لا يتكرر، فأنا أحتفظ بهوامش، وأشطب، وأكتب، وأصمم على اهداء مكتوب من كل من يمنحني كتابا كهدية، ليصبح الكتاب خليط من كل ذلك، بنسب من المستحيل معها أن يتطابق كتابين، لذلك لا أبيع الكتب المكررة ولا أتخلص منها، فما هو بهذه الحميمية إما أن يقتَنى بما فيه، أو يكون هدية لعزيز.

عام مر على جملة قلتها لملكة في رسالة :

(شفت كتاب لواحد اسمه ساراماجو في سور الأزبكية وشكله مهم) ..

منذ عام كان ساراماجو مجرد واحد آخر، ومنذ 6 شهور لم أكن على علم بوجود يوسا، وخوان رولفو، ووديع سعادة، ولوكليزيو، وباموق، ومحمد صالح، ومحمد علي شمس الدين، ورياض الصالح حسين، وبيسوا، وجاليانو، وبودلير، وساباتو، وغيرهم ..

وقيدت لي الصدفة أصدقاء منهم محمد إيهاب اسماعيل، حسام عبد الباسط، أحمد ندا، حسام دياب، كان لهم فضل في إعادة اكتشاف فرحة الكتب، كل كتاب كان يفتح باباً جديدا للدهشة، وابتلاني الله باللهفة، كأن كل كتاب جديد اتهام للحظة سابقة ضاعت في كتاب ممل، وضوء مركز باستمرار على كل لحظة محملة بعدم الاكتراث بالعالم.

وبدأت أفهم أن كبارا كالمسيري ومحمد عابد الجابري والمخزنجي وعلاء خالد وغيرهم تجمعهم نفس الابتسامة، وهدوء النفس، والقدرة غير العادية على الاستماع، فالاستماع متعة كالقراءة، والمتعة تكتمل وتتضاعف بالسعي، وكلهم ساعٍ في ملكوته الخاص، وكانت الابتسامة الهادئة لكل منهم دافعا ممتازاً للاستمرار في ما أحب.

وأعترف أني بعيد كل البعد عن تلك الابتسامة، عصبي، متقلب المزاج، وأن كتاباً واحدا لأحدهم، يجعلني للحظات واحدا من هؤلاء الطيبين، فأبتسم، وأحسدهم بصدق، وأعيد القراءة.

أعرف أن من ابتلاهم الله بالكتابة، ابتلاهم كذلك بالقلق، وأن هناك كباراً آخرين غلب عليهم القلق، وغلبهم، فأمر على كتبهم متوجساً، وسعيدا بالتلصص، وأن آخرين بالضعف ذاته، والقلق ذاته، والوحدة ذاتها، في منتصف الطريق بين الابتسامة الطيبة، وكراهية العالم، حائرين بين الكتب، على مسافة من كل شئ.

وآخرون أكرههم وأحب كتبهم، أغلبهم كتبوا سيرتهم الذاتية في احتقارالعالم بما فيه، معترفون بشرهم، وممتعون في صراحتهم، وكشفهم لممكنات جديدة في جرح الذات والآخرين، وعذابات خالية من القداسة.

أحب الكتب الجميلة، وأنتظرها، وأحب الابتسامات الطيبة، وأقدس أصحابها، وأشك أحياناً أن وجهي يحمل تلك الابتسامة بشكل مؤقت مع نهاية كتاب جميل في يوم هادئ، ولا أخاطر بالنظر في المرآة، فاكتفي بالقراءة.

Friday, September 2, 2011

ما لا يضير الشاة



رأيت في الحلم أني انتحرت.

جثة ممددة على بلاط الشقة البارد، الشقة العامرة بالفئران وأشياء أخرى تجري أو تزحف أو تطير، والمفتاح في الباب لهوس سابق بالدخول المفاجئ لمن يفسد وحدتي، والهاتف مغلق، وأنا على مسافة ما مني أرى جثتي تبرد بالتدريج، والفأر الأول يقترب.

الأقراص الضرورية لانتحار أقل ألما من فوائد العمل بالطب، أبلعها مع كثير من الماء نصحونا به في الكلية لتجنب قرح المرئ، وأبتسم لخيبتي ، فقرحة مرئ لن تضر منتحرا استقر جسمه موزعا على فئران شقته.

لا أظلم الشقة تماما، أترك الحمام مضاءا كما اعتدت، وكأني أنام نومي المعتاد، وأترك رأسي ترتاح على وسادة على الأرض، وأحتار في وضع ذراعيّ، هل اتركهما على صدري متقاطعين كالفراعنة، أم على جانبي الجسم في وضع الاستسلام، أختار وضع التأمل، فأتوسدهما خلف رأسي، وأغمض.

دوار بسيط، وميل للقئ، وجفاف بالحلق، ثم ظلام تام.

كان الأول فأرا قليل الخبرة، بدأ بالقماش الجينز، ربما لهيبة قديمة، أو إدخارا لتحلية ما في نهاية الوجبة، وربما هو اختبار للصحو، وتلاه آخر تهور قليلا فتذوق طرف أذني، ثم هبت عاصفة الفئران.

سيبحث المنتهكون لانتحاري عن رسالة، ولن يجدوها، ولن يفكروا أني اخترت بلاط الصالة تحديدا للوفاة، وأن عدم اختياري لغرفة النوم الآمنة من دخول الفئران  هو الرسالة ذاتها.

الهاتف المغلق يعطي أسبوعين من المتعة للفئران، بعدها سيبدأ القلق، وتكون الرائحة قد شاعت، ولن يكون من الصعب كسر الباب مسلحين بالعصبية والتوجس، وقتها ستجري الفئران فزعة ومفزعة، وستكون بعض حالات الإغماء هي تسليتي الأخيرة.

في منتصف الحلم تماما، كانت الفئران تأكل أنفي، و أنا على مسافة ما من نفسي، أرى المشهد، ويفزعني أني لم أشعر وقتها بالفزع.