Sunday, April 24, 2011

السطح كان مفاجأة من براح، يناقض زحام بيت العائلة الضيق بالزوار. في الركن، قالبا طوب هما ما تبقى من محاولة فاشلة لبناء بيت يصلح للعبة عريس وعروسة، و(عشة) للطيور اعتاد الاختباء فيها في (الاستغماية)، وكراكيب لا تتغير يحب استكشافها بلذة لا تنطفئ.

ترك كوبا معدنيا يمتلئ بالتدريج على أرضية السطح، واتبع نزوة راودته طويلا، فرفع وجهه مستقبلا السماء، وفرد ذراعيه للرياح. ترك نفسه لإحساس البلل ورعشة البرد، ثم تمادى، فمد لسانه خارجا يجرب طعم ماء السماء.

ذلك الكوب الغفور لسقطاته المتتالية الناتجة عن سهوه، يهب الماء طعما معدنيا يناقض تأكيد مدرس العلوم أن "الماء سائل بلا لون ولا طعم ولا رائحة"، ويذكره بتأكيد صاحب اللحية الطويلة على الأصل المائي للبشرية..

"وجعلنا من الماء كل شيء حي"

كيف يشترك الكل في هذا الأصل؟ وكيف ينتج الماء السائل الرائق رفيقة للعب؟ وأبا بهذا الطول، وأما برائحة المطبخ، وجدة بحكايات مدهشة، ويشكل أيضا مدرسا وعصاه لم ترحمه لسرحانه بعيدا عن تكرار الفصل لآيات القرآن؟

"المطرة رسول من ربنا.. يخرج مع نفسك في البرد زي دخان أبيض.. يطلع للسما السابعة في سكة محدش يعرفها غير ربنا..ويرجع من السحاب بالدعوة مستجابة بإذن الله، عشان كده ابقا ادعيلي يا واد في وقت المطرة".

لم يكن حافظا للقرآن إلا قليلا، ولا يعرف من الأدعية إلا ما يردده خلف الإمام في صلاة الجمعة.

"يا رب اشفي تيتة.. يا رب اشفي تيتة"

اضطرب حين لاحظ أن كلمة "تيتة" تبدو بعيدة عن الفخامة المعتادة لكلمات الدعاء التي سمعها من إمام الجمعة وذي اللحية الطويلة وشريط كاسيت لرجل زاعق باستمرار، لا يبدأ سائق الباص يومه دون سماع حديثه عن عذاب القبر لأنها "عظة وعبرة". تخلى عن "تيتة" لحساب الدعوة الأكثر فخامة "اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين.. "اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين".

امتلأ الكوب وفاض، ولا زال على متعته التي زادت بعد تعوده على برودة الجو. كان يعرف أن شعره الأسود يبدو أكثر سوادا، وأنه أقرب لشعر طفل يشبهه وإن بدا أكثر (نظافة) في إعلان التلفزيون عن (الجيل) الذي أكدت أمه أن شعره سيسقط مع استخدامه.

أفاق على عودة الضجة بعد انتهاء المطر، فلام نفسه على الاستسلام لنزوة الاستسلام للبلل، وتسلل على السلم متفاديا الكبار في حساباتهم والصغار في فرحتهم بالتجمع العائلي، نزولا إلى غرفتها بالدور الأرضي.

كانت نائمة كعادتها في زياراته الأخيرة، في ثوبها الأسود الذي لم يتغير لونه منذ وفاة الجد ومن تلاه من الراحلين الأعزاء، وجهها في وداعة أقرب للفرحة. تردد قبل أن يقترب من الجسد الناحل بتجاعيد الوجه المغمض والترهلات أسفل العنق. كأن حول الفراش هالة غير مرئية تمنع الاقتراب أو اللمس، ربما لأنها المرة الأولى التي يراها نائمة. تناقضت ملامح الاستسلام الوديع مع ضجة أقرانه بالخارج وشريط القرآن المكرر للمرة الرابعة.

ضغط على نفسه بالشوق لحكاياتها، وقروشها الفضية القليلة التي تبدو أجمل حين يجمعها في برطمان زجاجي يواظب على تنظيفه، والرغيف الأول من خبزها الأسبوعي مع العسل الأبيض، وحضنها الذي حماه في كل نزواته السابقة.

ساعده اعتقاده بقدسية مهمته، وأهمية الوقت في إنقاذها، فاقترب. باعد قليلا بين شفتيها، وقطر في فمها ملء كوب من ماء المطر الرائق, وجلس ينتظر.

4 comments:

إيمان said...

طيب لازم ابقى اول حد ينور المدونه كدا
وعشان اديلك بركاتي وكدا يعني (H)
طب والله مفتقده المدونه دي :)
يالا مبروك العودة

انا قلت لك تعليقي على القصه صح
نعلق تاني:)
احساسك عالي لدرجة انك بتحط اللي بيقرأ في جو النص
حبيت الجو
وحبيت الولد ببراءته باسئلته الطفولية المنطقية بحنيته وحبه لجدته بدعوته ليها
حبيت الدفا اللي في القصه بالرغم من جو المطر :)
وانا قلت لك قبل كدا مش بعرف انقد
بس بعرف الحاجه الحلوه لما اقرأها
القصه دي حلوه اوي يافندم :)

shady said...

انتي احلا
بحبك

Rosa said...

عجبتنى جدا
وخصوصا عباره وصفك للمطر
تقدر تعتبرنى من زوار الكوكب من هنا ورايح
حبقى ادخل حافيه من الاول بقا
:D
:) تحياتى

shady said...

منوراني ويا رب تنوري تاني :)

أول حد معرفوش يرد عليا من ساعة ما رجعت للبلوج :)

شئ مفرح